افتتحت مساء أمس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية المعرض الوثائقي الثاني بالسلطنة وحفل تكريم الدفعة الثانية من المواطنين والمبادرين في تسجيل وثائقهم الخاصة، وذلك تحت رعاية وزير الداخلية معالي السيد حمود بن فيصل البوسعيدي. ويأتي المعرض متزامنا مع احتفالات السلطنة بالعيد الوطني الحادي والأربعين المجيد، وفي سياق سعي الهيئة لإبراز الدور الحضاري والتاريخي للسلطنة، حيث سيستمر المعرض من 19نوفمبر 2011م حتى 25 نوفمبر 2011م بمركز عمان الدولي للمعارض.
في بداية الحفل القى رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية د. حمد بن محمد الضوياني بكلمة اشاد فيها بجهود منظمي المعرض الوثائقي، حيث قال: نشهد اليوم حفل افتتاح المعرض الوثائقي الثاني وتكريم المواطنين الكرام الذين بادروا بتسجيل وثائقهم الخاصة، لما تمثله الوثائق من مكانة مهمة في حياة الأمم والشعوب، فهي رصيد حي يتأسس عليه تاريخها وحضارتها، وإن إثارة الإهتمام بالوثائق والحفاظ على تراث الأمة يسهم في تشجيع البحث الدائم في غمار التاريخ، وتعزيز الثقة بالمستقبل تواصلا مع الماضي المجيد، والتاريخ قوام المجتمعات وبدونه لا تمثل الشعوب سوى حشود ديموغرافية هائلة العدد تسيرها المصالح الذاتية العابرة وتعبث بها تقلبات الظروف والأحوال ويتهددها الهوان والزوال. تاريخ تليد
واضاف سعادته: إن الأمة التي يستهين أبناؤها بماضيها، ويزهدون بأخبارها، هي أمة لا يؤمن حاضرها، ولا تصان كرامتها، إذ لا مناعة للحمتها، و لا عصمة لعزتها الوطنية، وادراكاً لذلك فعمان من الدول الأكثر اهتماماً بتاريخها التليد إيماناً منها بأن الحفاظ على هويتها الوطنية وكيانها الحضاري المتميز، انما يكمن في بعث تراثها الحافل بالأمجاد والبطولات وفي العناية به وترسيخه في الذاكرة الجماعية للشعب العماني الأبي، بإعتباره مرجعية لكل بناء مستقبلي تطمح إليه، فمضت عمان تشيد المعالم الحضارية والتاريخية على مر العصور، ليصل الركب إلى عهد النهضة المباركة بقيادة مولانا جلالة السلطان قابوس المعظم الذي أولى هذا الجانب الاهتمام الأكبر في مختلف مناحي الحياة الثقافية و الحضارية ولتكتمل الصروح الثقافية في جانبها الأهم من خلال إنشاء هيئة وطنية تعنى بوثائق الأمة وانجازاتها ولتقدم دليلاً قاطعا لحراك الحياة اليومية للمجتمع والدولة معاً.
الإبداع الفكري
وأكد سعادته: إن عمان بلد تختزن مفردات حضارة أزلية، أغنت الفكر البشري بالوثائق والمخطوطات في مختلف المجالات، وترسخ رابطا يربط الإنسان العماني بوطنه وتاريخه عبر الزمن الحافل بالأمجاد والتضحيات، ولا عجب في ذلك لما توليه الدول لوثائقها من حماية وصيانة بالوسائل الحديثة، وتتسابق الحكومات في إيلاء الاهتمام الأوسع في تعزيز المؤسسات الأرشيفية وهيئات الوثائق، من حيث مستوياتها الهيكلية والتنظيمية لقيادة وتنظيم العمل الإداري وحفظ انجازات هيئات ومؤسسات الدولة، وتنفق مقدارا عظيما من الجهود والأموال لحفظ الوثائق وحماية كنوزها، والإنطلاق نحو الإبداع الفكري وتشجيع البحث العلمي والاستثمار الأمثل للوثائق لإبراز ذاكرة الوطن ومرآة الواقع والمستقبل، لتكون الوثائق الأداة الأساسية للحفاظ على دفاتر وسجلات المعرفة البشرية، والعمل على انتشارها، وتبني سياسات تعزز استعمال الكلمة المطبوعة على أوسع نطاق وكل المواثيق الدولية تدعو إلى العمل على اتاحة الإطلاع على الوثائق خدمة للوطن ووقوف أبنائه على هويتهم الوطنية ووضعها ضمن الكتب المدرسية والجامعية ودعم المؤلفين والناشرين لمواجهة المتطلبات البحثية في مختلف مجالات الحياة الإنسانية .
معينٌ لا ينضب
وقال رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية لقد تهيأت العناية المتكاملة والرعاية الشاملة لهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية إعدادا وتأسيسا وإشرافا ومتابعة وتخطيطا من خلال ما يوليه صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد الموقر رئيس مجلس الإدارة من عمل حثيث للنهوض بهذا العمل الحيوي، ومدى غناء وثراء رصيدنا الوثائقي الذي يشكل معينا لا ينضب ومصدرا فريدا ومهما لدراسة تاريخ عمان الحاضر والمستقبل ، وقد جاء تنظيم المعرض الوثائقي الثاني ليكشف جانبا من هذا الإنجاز فهو يضم في أقسامه لمحة من مسيرة النهضة المباركة وقسماً للوثائق الخاصة لدى أفراد المجتمع، كما يتضمن وثائق منتقاة تعود إلى فترات زمنية مختلفة وركنا للطوابع والعملات ويركز المعرض على إنجازات وبناء النظام .
حسنات الهيئة
بعد ذلك القى الشيخ عارف بن محمد بن أحمد العبري كلمة نيابة عن مالكي وحائزي الوثائق الخاصة قال فيها: إن هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية إنجاز وطني جبارجاء ليحفظ لهذا البلد تاريخه المجيد الواسع فخطت خطواتها من خلال كوادرها ليكونوا يد الهيئة التي تجمع وتحفظ وتبحث وتنقب وترمم وتوصف. وكان من حسنات الهيئة الكثيرة سعيها لحفظ الوثائق الخاصة التي بحوزة المواطنين، والتي تمثل بالنسبة لهم إرثا ثقافيا وتاريخيا واجتماعيا وسيرة متجددة عبرالعصور،
مشيرا الى ان الهيئة سعت باحثة بين الولايات والقرى في السهل والجبل بزيارة المواطن الذي يرغب في حفظ وثائقه في أرشيفها لتكون له ولأجياله من بعده ينتفعون بالاطلاع عليها. وقال: كنت ممن حظيت بهذا الفضل الكبير من لدن الهيئة حيث سعى طاقمها في حفظ وثائق آبائنا وأجدادنا التي تعبر عن الجوانب التاريخية والأدبية والاجتماعية، فكانت فرصة طيبة وثمينة لم أفوتها والحمد لله أنني حجزت مكانا آمنا لحفظ تاريخي وتاريخ أجدادي ليتعرف إليه هذا الجيل ولتطلع عليه الأجيال القادمة. داعيا جميع المواطنين الذين لم يحظوا بعد بزيارة الهيئة إلى أن يتعاونوا مع فريق الوثائق الخاصة لما في ذلك من خير في تأمين وثائقهم وحفظ تاريخ آبائهم وأجدادهم.
بعدها قام راعي الحفل والحضور بمشاهدة عرض فيلم وثائقي عن الهيئة بعدها قام بتكريم عدد من مالكي وحائزي الوثائق الخاصة، وفي ختام الحفل قام معالي السيد راعي الحفل بافتتاح المعرض وتجول داخله واطلع على ما احتواه المعرض.
وثائق وصور وعملات
يأتي هذا المعرض استمرارا للنجاح الذي حظي به المعرض الوثائقي الاول، وسعيا لتحقيق الأهداف التي تسعى الهيئة إليها، كما يأتي تنظيم المعرض الوثائقي الثاني بمساحة أكبر من المعرض الوثائقي الأول وأشمل من حيث عدد الوثائق والصور التاريخية النادرة المعروضة فيه، حيث يعرض فيه أكثر من 1000 وثيقة وصورة تاريخية وعملات ذهبية وفضية يعود تاريخها إلى فترة الدولة الأموية والعباسية والعثمانية وطوابع وخرائط تاريخية، مقسمة إلى تسعة أقسام مختلفة تحكي تاريخ السلطنة التليد فهناك قسم يحكي سيرة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ مع صور تاريخية عن أهم منجزات النهضة المباركة. العلاقات الدولية
كما يضم قسما للعلاقات الدولية والذي يوضح العلاقات الدولية بين السلطنة وبقية دول العالم، حيث بنت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية علاقات تعاون مع عدد من دور الأرشيف والوثائق العالمية، بالإضافة إلى توقيعها على عدد من مذكرات التفاهم مع مختلف دول العالم، ومن هذه الدول جمهورية تركيا ومصر وهولندا وبريطانيا والهند وباكستان ودول شرق أفريقيا، كما انتسبت الهيئة إلى المجلس الدولي للأرشيف بالإضافة إلى انتسابها إلى الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للأرشيف، وأخيرا أصبحت عضوا في الأمانة العامة لمركز الوثائق بدول الخليج العربي. كما شتمل المعرض أيضا على قسم الوثائق الخاصة والذي لم يغب عن هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ذلك الكنز المعرفي من الوثائق التي يمتلكها المواطنون، فأولت اهتماما بالغا بالوثائق الخاصة لما لها من أهمية كبيرة تعود بالنفع للصالح العام والخاص وتثري البحث العلمي للدارسين والباحثين، واحتوى هذا القسم على الوثائق التي قام بتسجيلها أو بيعها ملاك الوثائق، وهي وثائق متعددة الموضوعات من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تحكي عن التاريخ العماني في فترات زمنية وحقب تاريخية ماضية، تتناول الوشائج والتمازج الاجتماعي، فضلا عن تلك الوثائق التي تعني بموضوعات مختلفة مثل: الإقرارات والوصايا والحياة العلمية والمراسلات المتبادلة بينهم وبين الأئمة والسلاطين وبين الجهات والشخصيات الحكومية، كما تحكي عن بعض الوثائق المتمثلة في التمائم التي كانت تقرأ بعد ختم القرآن الكريم. علاقات عمان الدولية
كما تضمن المعرض قسم شرق أفريقيا والذي يتحدث عن العلاقات التي كانت قائمة بين مسقط وزنجبار والتي تنم عن علاقات عمان بشرقي أفريقيا وخاصة في عهد السلطان السيد سعيد بن سلطان الذي قام بنقل بلاطه إلى الشطر الإفريقي (زنجبار عام 1832م)، بالإضافة إلى علاقة عمان مع الدول العربية والأجنبية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتمازج الثقافي بين شطري الدولة مسقط وزنجبار وحياة العمانيين الزاهرة في تلك الحقبة الزمنية. إلى جانب قسم الطوابع والعملات، حيث إن هنالك العديد من الطوابع التي كانت تصدر في عمان وزنجبار ولها رمزيتها التاريخية والحضارية والتي يعود بعضها إلى منتصف القرن التاسع عشر.
بالإضافة إلى قسم الخرائط القديمة والتي هي خرائط توضح المدن والقرى والموانئ والبنادر التي تجوب بها السفن العمانية، والتي تبين مدى أهمية تحديد المسارات البحرية التي تربط عمان والمحيط الهندي وشرق أفريقيا والجزيرة العربية والمناطق الآسيوية.
كما ضم المعرض قسما خاصا بأهم إنجازات هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية إذ إن النجاحات التي تحققت في هذه المرحلة التأسيسية للهيئة لتعطي دلالة قوية على المستقبل المشرق للسلطنة في مجال الوثائق وحفظها، وسينعكس إيجابا على مختلف الأصعدة وخصوصا الجانب البحثي والعلمي، فبالرغم من المدة القصيرة من إنشائها، إلا أنها استطاعت أن تحقق العديد من الإنجازات المحلية والخارجية، وقد استطاعت الهيئة التنسيق مع معظم الوزارات والجهات الحكومية لإعداد نظام عصري للوثائق، وتمكنت أيضا من بناء نظام إدارة الوثائق بالجهات الحكومية والتي تهدف إلى تقديم الدعم الفني والإشراف على النظام الوطني للوثائق والمحفوظات ومساعدة الجهات المعنية على تنفيذ النظام العصري للوثائق، حيث انتهت الهيئة من العمل على إعداد النظام في عشر جهات، والعمل قائم في باقي الجهات الخاضعة للقانون. كما كان هناك قسم وثائق الأصول ويشمل المراسلات، وعقود البيع والشراء، والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، والوصايا، وبعض الأوسمة ، والتهاني، وغيرها. وقسم يضم العملات والمسكوكات الذهبية والفضية يعود تاريخها إلى الدولة الأموية والفاطمية والعباسية والعثمانية.